Description
يَضْرِبُ اللهُ تَعالى مَثَلًا لِرَجُلَيْنِ: أَحَدُهُما شاكِرٌ لِنِعَمِ اللهِ، والآخَرُ كافِرٌ بِهاْ. ٱلْكَافِرُ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بِجَنَّتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ، مَحْفوفَتَيْنِ بِالنَّخْلِ، يَتَوَسَّطُهُما زَرْعٌ، وَتَتَفَجَّرُ بَيْنَهُما ٱلأَنْهارُ، فَأَثْمَرَتا ثَمَرًا وافِرًا بِلَا نَقْصٍ؛ وَكانَ لَهُ مَعَ ذلِكَ مالٌ كَثيرٌ، فَٱغْتَرَّ وَتَكَبَّرْ. قالَ لِصاحِبِهِ ٱلْمُؤْمِنِ مُفْتَخِرًا: "أَنا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا، وَأَعَزُّ نَفَرًاْ." ثُمَّ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، فَقالَ: "ما أَظُنُّ أَنْ تَفْنى هذِهِ أَبَدًا، وَما أَظُنُّ ٱلسّاعَةَ قائِمَةً؛ وَإِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبّي، لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهاْ." فَأَجابَهُ ٱلْمُؤْمِنُ ناصِحًا: "أَتَكْفُرُ بِاللهِ ٱلَّذي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلًاْ؟ أَمّا أَنا فَأَقولُ: ٱللهُ رَبّي، وَلا أُشْرِكُ بِرَبّي أَحَدًاْ. وَهَلّا حينَ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ: ما شاءَ ٱللهُ، لا قُوَّةَ إِلّا بِٱللهِْ؟ إِنْ كُنْتَ تَرانِي أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَدًا، فَعَسى رَبّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ، وَيُهْلِكَها بِعَذابٍ مِنَ ٱلسَّماءِ، أَوْ يَجْعَلَ ماءَها غائِرًا، فَلا تَقْدِرَ عَلَيْهِْ." فَوَقَعَ ما أَنْذَرَ بِهِ ٱلْمُؤْمِنُ، فَأُحيطَ بِثَمَرِ ٱلْكَافِرِ، فَهَلَكَتْ جَنَّتُهُ وَصارَتْ خَرابًا؛ فَقَلَبَ كَفَّيْهِ نادِمًا عَلى ما أَنْفَقَ فِيها، وَقالَ مُتَحَسِّرًا: "يا لَيْتَني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّي أَحَدًاْ." فَلَمْ تَنْفَعْهُ أَمْوالُهُ وَلا أَنْصارُهُ، وَٱنْكَشَفَتْ حَقيقَةُ ضَعْفِهِْ. وَفي مِثْلِ هذِهِ ٱلْمَواقِفِ، يَظْهَرُ أَنَّ ٱلنَّصْرَ لِلّهِ وَحْدَهُ، وَهُوَ خَيْرُ ثَوابًا، وَخَيْرُ عاقِبَةًْ.